الحدوتة الثانية عشر .. من منا الفقير ؟

 بتحركي بواسطة كرسي متحرك في الشوارع واعتمادي عليه بشكل كامل في تنقلاتي واموري الحياتية، اعتدت علي التعرض للكثير من المواقف الطريفة، بعضها محرج واغلبها مثير للضحك والمرح، فأجدني مقصداَ للأطفال يسألوني عنه كسيارة صغيرة ممتعة وجاذبة لهم، وبعضهم قد يحاول ان يجاريني في حركتي جرياَ بالقرب مني وكأنه يثبت لنفسه ولي انه أسرع من هذه السيارة (الموبايل!).

ما أجمل الطفولة والأطفال!

وقد أجد من يضم الي يده في تكتم بمبلغ من المال كصدقه، ظاناَ في مظهري الفقر والعوز، برغم ان سعر هذا الكرسي ربما يفوق سعر بعض السيارات، ولكن لأنه غير مشهور او منتشر اقتناؤه في مجتمعي فانه يظن فيه بعوز صاحبه. الي هنا فالأمر طبيعي ولا غريب فيه، لكن ما حدث لي في ذلك اليوم هزني بعنف وجعلني أفكر بعمق شديد واعيد حساباتي وتقييمي لكثير من الأمور من حولي.

كنت اسير (بسيارتي القزمة) كالعادة عندما صادفت تلك العجوز البائسة تقبع في اثمالها علي قارعة الطريق وقد حني الوهن جسدها وبدا الألم من الامراض التي بها علي قسمات وجهها وكانه منحوتة العذاب والفقر لأكبر المثالين العالميين، وجه يستحيل ان تطالعه عيناك دون ان يرق له قلبك وتهب لنجدته وعونه بكل ما تملك.

اقتربت منها بيد مضمومة علي ما يسر الله لي بالتصدق به عليها علي قلته، طالعتني بعينيها في شفقة وقد رسمت ابتسامة واهنة علي وجهها قائلة "مسامحاك ياولدي، مسامحاك، انت برضك محتاج زيي، والله يا حبيبي مسامحاك"!

يقشعر بدني كلما أتذكر تلك الكلمات الحانية من تلك العجوز الغارقة في العوز والفاقة والاحتياج مع إصرارها علي عدم اخذ شيء مما في يدي ظناَ منها باحتياجي اليه، ومازال صوتها يدوي في عقلي واذناي "والله يا حبيبي مسامحاك". أي مجتمع هذا الذي يترك من مثلها لتلك الحالة البائسة دون ان يمد لها يد العون ولو بالقليل؟ وغيرها ممن في مثل حالها الكثيرين.

كم نجد ممن يقتنون وينفقون في كل ما هو سفيه سخيف في مجتمعنا ثم تقف أيديهم عند تلك الحالات الإنسانية شحيحة ضانة وبخيلة؟ هل يمكن وصفهم بالبشر اصلاَ؟ وهل يمكن لمجتمع مثل هذا ان ينهض من كبواته او يزيل الله عنه أي بلاء؟

بربكم، من هنا الفقير؟ هذه البائسة التي تجود بما لا تملك؟ ام تلك الكائنات التي تضن بما تملك؟

السؤال لكم، والاجابة لكم ايضاَ.

تعليقات

المشاركات الشائعة