الحدوتة التاسعة .. فن ادارة المعركة - علي تزو

 "سن تزو وو" اسم يتربع بين اساطين المؤلفين في مجال التخطيط والاستراتيجيات علي مدار تاريخ البشرية ككل، يمكنك التعرف - عزيزي القارئ – علي فضله ومكانته وتاريخه من الويكيبيديا، لكني ساكتفي بالقول أنه ارتقي بمكانته وبفضل علمه وخبرته في مجال التخطيط الاستراتيجي من مجرد جندي عادي الي قائد جيوش مملكة "تشي" الصينية ويتمكن بعدها من اخضاع الممالك الاخري لحكم امبراطور الصين، وأخرج لنا واحد من أفضل - ان لم يكن الأفضل – كتب التخطيط الاستراتيجي في تاريخ البشرية والذي نهل منه كل الكتاب والمبدعين في سائر الفنون والمجالات ولا زال يحدث حتي وقتنا الحاضر، ويعد كتابه "فن الحرب" افضل واعظم ما كتب في مجال التخطيط وفنون الحرب والتفكير الاستراتيجي في كافة العصور.

وعلي نهج ذلك الكتاب المبدع أسوق مقالتي تلك وان كان ما بها لا يرقي لإبداع وجمال محتوي كتاب "فن الحرب" من أفكار وحكم، لكنه يسير علي نفس النهج من حيث ذكر نصائح متفرقة تساعد الغير علي قدر المستطاع- علي التغلب علي ما قد يواجهونه من صعوبات حين يحولونها الي ما يشبه المعارك وان عليهم الانتصار فيها، أتمني علي من يقرأ تلك النصائح ويستفيد منها الا ينساني من الدعاء لي بظاهر الغيب – اللهم استجب!

أترككم مع تلك النصائح :

- راجع قدراتك دوريا وتلمس دائماً نقاط ضعفك وحاول قدر استطاعتك تسديدها ومعالجتها.

- حتماً سيكون لك نقاط ضعف فاجعل جزء منها يكون مكشوفاً للجميع لا تعالجه ولكن جهز العلاج لها، فحين تدخل في نزاع مع احدهم سيبحث عن نقاط ضعف لك حتماً، حينها اجعله يجد تلك النقاط التي حددتها لنفسك وجعلتها معروفة عنك للجميع، طالما تستطيع التغلب عليها.

- اشغل خصمك دائماً بمشكلات كثيرة ولو صغيرة او بسيطة تستنفذ قواه وتشتت تفكيره وتحجم قدراته علي مواجهة تلك المشكلات البسيطة، وحين تضربه الضربة القوية لن يقوي علي مقاومتها.

- اشتري كل من حولك وسيطر عليهم؛ اما بالاحسان وحسن المعاملة والحب، أو بالمال باغداقه عليهم، او بالترهيب بجعله يخاف من قوة ما لديك وان كانت وهمية، وان احتاج الأمر اظهر له قوتك بضربة موجعة سريعة سواء له أو لغيره تجعلك مرهوب الجانب لفترة طويلة، ولكن حذار أن تستخدم هذا الأمر فيما يغضب الله أو ظلم العباد لأنك وقتها ستكون خصماً لله وفي هذه الحالة انت خاسر لا محالة.

- حين تريد اقناع خصمك بشئ غير حقيقي ردده انت نفسك واقتنع به علي انه حقيقة فسيكون أسهل عليك وقتئذ اقناع الغير به.

- أقلل من عدد خصومك قدر المستطاع وحاول حل مشاكلك باقل مجهود أو بدون صعوبات، فان كان ولا بد من التصدي للجميع فلا تحاول فتح كل الجبهات في آن واحد بل فردها وابدأ ضرباتك بأقواها.

- حين يتكاثر عليك الخصوم فاستخدم لذلك عدة تقنيات :

الأولي؛ استخدم قاعدة فرق تسد، فلا يتحدون عليك مع بعضهم البعض، وافضل لك ان يتحدوا أو يتحالفوا مع آخرين لا يوجد بينكم خصومة من ان يتحد خصومك ضدك حتي وان كانت المحصلة واحدة وهي ان كل خصم يزداد قوة في كلا الحالتين، لكن في حالة اتحاد خصومك مع آخرين غير خصوم لك أخف وطأة.

الثانية؛ لتجعل خصومك- ان استطعت- يستنفذون قوتهم في صراعات فيما بينهم فهذا يقلل من وطأتهم في صراعهم ضدك، ولا مانع أن تتحالف أنت مع بعضهم ضد الآخرين ثم تعود اليه لاحقا من باب "تنظيف الساحة من صغار الخصوم" واعلم ان حليفك الجديد (خصم الأمس) يفكر بنفس المنطق، فكن مستعدا للحظة المواجهة معه بعد تنظيف الساحة من الصغار.

الثالثة؛ اشغل خصومك بمعارك جانبية وهمية تستحوذ علي جزء من مجهودهم أو تفكيرهم علي الأقل وانفرد أنت بأقواهم ثم الأقل قوة واجعل أقلهم قوة بمثابة "الترفيه" لك في النهاية.

الرابعة؛ هون من قوتك أمامهم حتي ينشغلوا عنك بأنفسهم من باب "القضاء علي الخطر الأقوي أولا" وغالبا لن يقترب منك الا الضعفاء من الخصوم الذين يرغبون في تحقيق مكاسب وهمية، وقتها اسحقهم بلا تردد وحافظ علي قوتك للأقوياء.

الخامسة؛ استقطب من الخصوم الي صفك من تستطيع وحولهم الي حلفاء أو اصدقاء، فالحلول السلمية أفضل وأرقي بكثير من الصراع والمعارك حتي وان تطلب ذلك منك بعض التضحيات أو التنازلات.

- انتقي خصومك ولا تهون من نفسك بصراع من هم دونك في القوة أو المكانة.

- يقسو علي نفسه كل من يرحم عدوه؛ فلا ترحم خصما لا تأمن تكرار شره.

- العفو شيمة الأقوياء والعظماء، ولكن اياك ان تعفوا قبل ان تستطيع الوصول فعليا لحقك فذلك ضعف وتخاذل.

- تعلم واجد فن الخداع والمناورة وأوهم عدوك بما ليس فيك (ولاتجعله يقف علي حقيقة أمرك) حسب احتياجاتك؛ فان كنت غير مستعد للقائه أوهمه بضخامة قوتك وان كنت جاهزا له أوهمه بضعفك لتغريه بمهاجمتك وساعتها سيكون في اضعف حالاته.

- البادئ في الهجوم دائماً في موقف أضعف إلا اذا كان هجوما غير متوقع من قبل خصمه فحينئذ تنقلب الآية.

- اذا ضربت فاوجع واجعل ضرباتك سريعة ومتتالية حتي وان كان ذلك علي حساب قوتها، المهم ألا تدع لخصمك فرصة تطوير هجوم مضاد أو يأخذ زمام المبادرة في شئ.

- لكل شئ اذا ما تم نقصان، ولكل قوة مهما بلغ شأوها نقاط ضعف، فكل ما عليك عزيزي المقاتل أن تبحث بدقة عن تلك النقاط وتضرب عليها بكل قوة ليكون ذلك سبيلك لكسر خصمك وكسب معركتك.

- استكمالا للنقطة السابقة؛ لكل مشكلة مهما بلغت حل وربما حلول موجودة بالفعل، وكل ما عليك هو البحث عن تلك الحلول (الموجودة بالفعل).

- لا تهون من قيمة خصمك وتوقع منه الأسوأ أو الاشد ولا  تنتظر منه شفقة أو ليناً.

- كن دائماً الطرف الأقوي في أي تنافس أو صراع أو أي معادلة من أي نوع، وتذكر دائماً (أنت تضمن أنك لن تظلم الغير لكن لا تضمن عدم ظلم الغير لك) فاجعل دائماً خيوط أي أمر في يدك ولا تثق في أي أداء غير أداءك انت.

- النفس ورغباتها وشهواتها جميعاً مثل حصان جامح؛ طالما أنت مسيطر عليها بقوة وكابح لها ستصل الي مبتغاك كما يجب، وان افلت الزمام منك ولو قليلا فذلك كفيل لإيرادك المهالك.

- حين يتكلم اللسان يسكت العقل؛ فاجعل لعقلك الفرصة الاولي في الحديث، واجعل الكلمة تدور في عقلك قليلاً قبل أن ينطقها لسانك، وكلما قل حديثك قلت اخطائك.

- في المناقشات او المعارك الكلامية؛ أعط نفسك دائماً فرصة المناورة بحيث لا تحاصر في قرارات عفوية غير مدروسة، بل اعط نفسك دائماً خط رجعة مهما كنت واثقاً من موقفك ومنطق تفكيرك وحديثك.

- استكمالا للنقطة السابقة؛ في أي أمر تقدم عليه اعط نفسك مجالا للتراجع والمناورة ولا تثق بقدرتك علي النجاح بشكل مطلق مهما يكن، بل ضع احتمالات الفشل نصب عينيك ولو بنسبة ضئيلة؛ فالنجاح لن يضيرك لو فاجأك بعكس الفشل.

- من باب تسديد ومعالجة نقاط ضعفك؛ لا تفعل في السر ما تخشي منه في العلانية، وان كان لك خطأ ما يعرفه شخص محتمل تحوله لخصم لك فعليك بالمثل، أي تعرف عنه ذلة له تساومه بها وقت أن يساومك علي ذلتك في أي وقت.

- علي عكس ما يقال؛ تتبع ذلات الآخرين من باب المعرفة لوقت قد تحتاجها في معركة معهم، ولكن حذار وحذار ثم حذار أن تستغلها فيم يغضب الله والا فلتتحمل وطأة الخصومة مع رب العباد جل وعلا.

- قبل الدخول في أي أمر سواء منافسة أو غير ذلك راعي ما يلي:

أولا.. تيقن أنك في الجانب الصحيح والخير من الأمر، وان لم يكن خيراً ظاهرياً فعلي الأقل تكون أهدافه خيرة ونهاياته تفضي الي خير.

ثانياً.. استفد من قاعدة "التدريب في السلم يوفر ويقلل الخسائر في الحرب" فحاول التدرب علي المواجهة وتصور السيناريوهات المحتملة لها وطرق مواجهتها قبل المواجهة الفعلية.

ثالثاً.. جهز كل أدواتك التي ستحتاج اليها في المواجهة قبل الدخول في المعترك قدر المستطاع، ولا تعول كثيراً علي الظروف المواتية أو الحظ الجيد.

رابعاً.. ادرس خصمك (سواء شخص اعتباري او موضوع) بشكل جيد وكامل وحدد نقاط الضعف التي ستضربها بعناية، وبالطبع حاول أولاً أن تزيل الخصومة بشكل سلمي ولكن بالطبع بدون الاضرار بحقوقك (أي لا تستعجل المواجهة)، فإن عزمت علي الضرب فاختر بعض النقاط التي ستضربها وادخر الباقي لوقت لاحق، ومع تركيز قوة الضرب لا تنتقل من نقطة ضعف الي نقطة اخري قبل ان تنتهي من الأولي وتستنفذها.

- أقوي ما في الإنسان هو العقل؛ فصاحب العقل والحكمة يتغلب علي كل ما سواه، وسيف العقل هو العلم والخبرة، فاحرص علي الاستثمار في عقلك وعلمك ان ابتغيت القوة المطلقة معك.

- تعامل "حسب ظروف معركتك" بمبدأ رياضة الجودو؛ الا وهو استخدام نقاط القوة لدي الخصم في هزيمته، فقد تجد فيها ما يمكنك من هدفك ان احسنت استخدامه.

- أقوي سلاح هو العقل وأهم ادواته هي المعرفة؛ فاحرص علي تزويد أقوي اسلحتك بأهم ادواته.

- تعلم أسلحة كل من:

القرد.. في مفاجآته وعدم توقعه، في سرعة مناوراته والقدرة علي سرعة تغييرها او تغيير اتجاهاتها، في اندفاعاته الشجاعة عند الهجوم لحد التهور أحيانا، فلا تستقيم الشجاعة مع التردد في رأيي.

المرأة.. في استخدام وإظهار ضعفها واستكانتها لتهدأ فورة خصمها، في عمق ترتيبها وهدوئها أثناء التخطيط.

الثعبان.. في نعومته وانسيابية حركاته، في هدوئه وصبره علي فريسته أثناء تربصه بها، في مثابرته علي تحقيق هدفه.

تعليقات

المشاركات الشائعة