الحدوتة الثالثة .. الإسلام السياسي ام السياسة في الإسلام ؟

 يبدوا التعبيرين متقاربين في المعني، ولكن بقليل من التمعن نجد بينهما بوناَ عظيماَ واختلافاَ كبيرا، ادي ذلك الاختلاف وما تبعه من خلاف الي ظهور فرق عظيمة التأثير في المجتمع الإسلامي، خرجت من رداء السلفية (حراس السنة النبوية) لتفصلها جزئياَ عن الجسد الإسلامي باتباعها منهج عدم الاصطدام بالأنظمة الحاكمة (وان جلدت ظهورهم وسلبت أموالهم) بفصل السياسة عن الإسلام وجعل الدين الإسلامي كهنوت يتعبد به في المساجد والاضرحة بدون تطبيق عملي في المجتمع الا فيما لا يغضب ولي النعم!

لا شك لدي في وجود كثير من قيادات التيار او الفكر السلفي من الذين يرفضون هذا النهج ولا يتبعوه ويتبارون في قولة الحق عند السلطان الجائر "ولو بتصرف علي استحياء تجنباَ للأصطدام مع تلك الأنظمة واسداءاَ للنصح لها في ذات الامر، اما التيارات الأخرى فانها تمازج بين كل من الدين والسياسة بما يحقق مصلحة المجتمع وربما تتغاضي قليلاَ عن الجانب السياسي تبعاَ للضغوط والظروف من حولها مع تبيان الاحكام الفقهية المتعلقة بها ولا تعلقها او تخفيها، ولكن لا يخفي علينا ايضاَ وجود فصيل إسلامي يتخذ من الدين ستارا لتحقيق مآرب سياسية وربما يكون هدفه سياسيا بحتا وياتي الدين لديه في ذيل القائمة.

ان الدين الإسلامي او كما نسميه بالرسالة المحمدية (اخر رسائل الخالق جل وعلا الي اهل الأرض) له خصوصية عن سائر الديانات التي يتعبد بها البشر علي مر العصور؛ فنجد كهنوتاَ عظيماَ صافيا ومنهجاَ تنظيمياَ متكاملاَ، انه اشبه بنظام حياتي متكامل اودع فيه الحكيم العليم كل ما يصلح حياة البشر ويعالج كافة مشكلاتهم عظمت او قلت، يعالج كل الجوانب والاشكاليات المادية والروحية والنفسية سواء بسواء وبشكل فعال وناجح ينتج في النهاية مجتمعات مستقرة سعيدة بدون مشكلات تقريباَ. لقد صدق شيخ الازهر السابق الامام مصطفي المراغي حين قال "دلوني علي ما ينفع الناس آتيكم بدليله من القرآن والسنة".

وضمن ما يعالج الإسلام في المجتمع يأتي الجانب السياسي فيه من حيث تنظيم علاقة الحاكم بالمحكومين وتنظيم علاقات الافراد والجماعات بعضهم ببعض بما يحقق التكافل والعدالة بينهم ويزيد من قدر التعاون والتآلف بينهم بعضهم البعض بما يحقق التقارب والسلام في الأرض. والاسلام لم يحدد شكل سياسي معين أو نظاماَ للحكم لادارة شئون البلاد ، وان كان اقر مبادئ وقيم ثابتة يسير علي هداها أي نظام سياسي قائم واهمها مبدأ الشوري والعدالة والمساواة بين الجميع (حاكم ومحكوم) في الحقوق والواجبات مع مراعاة اختلاف الأدوار المجتمعية والسياسية بينها، وان كان البعض ينادي بنظام الخلافة السياسي الذي ساد في العصور الاولي للإسلام فانني اراه نظاماَ استرشادياَ للحكم يحمل لنا قيماَ ومبادئ سياسية اكثر منه نظاماَ يحمل لنا قواعد واطر إدارية تنظيمية تحتذي؛ فما يصلح منها لظروفنا وعصرنا ناخذ به وهو اولي بالاقتداء، ومالا يناسبنا منها فلا حرج علينا ان تركناها او عدلنا فيها حسب احتياجاتنا.

لقد وضع الشرع الحنيف مبادئ وقيم سياسية وتنظيمية تشكلت بشكل الخلافة الراشدة وسار علي نهجها من بعدهم بكثير من التطور والتصرف ولكن ليس لزاما علينا في عصرنا الحديث وفيه ما يحمله من متغيرات عديدة ان نلتزم بها وان كان لزاما علينا (واشدد علي ذلك) الالتزام بالمبادئ والقيم التي وضعها الشرع واقرها.

ان الإسلام ليس منهجا سياسياَ ولكن السياسة جزء من منهج الإسلام.

تعليقات

المشاركات الشائعة