الحدوتة الثامنة .. ألف باء اصلاح

 لا ينقطع ظهور المحاولات الجادة لإصلاح عيوب المجتمعات في كل زمان ومكان، وغالباً ما تصدر عن ذوي همم عالية وجادة في مقاصدها، ورغم ذلك فأن كثير منها لا يحالفه الحظ في النجاح.

اعتقد ان المعوق الاساسي هنا ياتي من اهمال اصلاح قاعدة المجتمع وجذوره الشعبية والسعي لإحراز نتائج سطحية تمس الظاهر المجتمعي وتمثل القشرة بالنسبة للمجتمع؛ فاعتقادي الراسخ ان اية محاولة لإصلاح المجتمع يجب أن تبدأ من الطبقات الدنيا من المجتمع، سواء من الناحية الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية ....الخ، فمن خلالها وبها يبني الاساس الاصلاحي المغذي للطبقة المتوسطة التي هي بدورها عماد المجتمع.

أري أن هذا هو احد العمودين الاساسيين لأي اصلاح مجتمعي، أما العمود الاخر والذي لا يقل اهمية عن خليله السابق هو مراعاة الترتيب الصحيح لأولويات الاصلاح ومجالاته، فكثيراً ما كان سوء اختيار ترتيب تلك الاولويات سبباً رئيساً ومباشراً في هدم محاولة التغيير المجتمعي او تعطيلها او حتي تحجيمها علي اقل تقدير.

وفي رأيي أن الجانب الاخلاقي هو المجال المطلوب أخذه في الاعتبار الاول لدي اي مصلح؛ فبدونه لن تنجح اية محاولة للتغيير في اي مجتمع مهما كانت، وعليه؛ فانه يتعين علينا تفعيل الدور الارشادي والتوعوي للمؤسسات الثقافية والتعليمية والدينية، والأخيرة منها تكون في القلب من ذلك، حيث ان الدين في مجتمعاتنا الشرقية علي الاخص يلعب الدور الاساسي في اي تغيير بالمجتمع، وعليه يجب علينا مراعاة وترشيد الخطاب التوعوي الموجه من تلك المؤسسات الي المتلقين حتي لا نستبدل مجتمعاً بآخر متطرفا او نزقاً مثلا!

وعلينا الاهتمام اكثر بالفئات العمرية الصغيرة، مع عدم اهمال الفئات الاخري بالطبع لأنها مفتاح الفئات العمرية الصغيرة، ودورها واهميتها الخاصة بها في المنظومة المجتمعية ككل، لكن الاصلاح لن يتم اساساً الا من خلال بذل الجهود مع الاخيرة منها.

ثاني الأولويات أهمية في رايي هو الاهتمام برفع المستوي التعليمي ثم الثقافي او كلاهما يقف علي نفس الدرجة من الأهمية في الارتباط ببعضهما البعض؛ فالامة الجاهلة والامية لا امل لها في نهوض او تقدم، والعكس صحيح، كمثال علي ذلك النهضة في سنغافورة التي كانت دولة معدمة الإمكانات والموارد تقريباً، ذات شعب جاهل منحل فاسد، كان عنصري نهضتها هو الاستثمار في تنمية الانسان علميا واخلاقيا، وقد كان ذلك القاعدة الأساسية والاولي في نهضتها.

لنعلم يا سادة ان شعب متعلم ومثقف سيعلم حقوقه وواجباته وبالتالي يمكن توجيه الراي العام فيه لما ينهض بالمجتمع وينميه في كافة المناحي. يا سادة - بالعلم والايمان تبني الأمم وتخرج من اسفل دركاتها الي أعالي المجد والتقدم.

استكمالا لموضوع الإصلاح المجتمعي اطرح عليك عزيزي القارئ بعض الأفكار البسيطة وربما المبتكرة في ذات الوقت لتفعيل الجانب التوعوي في المجتمع سعيا لإصلاح ما به من خلل وعلل.

تاتي الفكرة الاولي في اطار استغلال الدور الذي تقوم به بعض الشخصيات ذات الوظيفة او العمل بالمجتمع الذي يتيح لها الاحتكاك بالأهالي علي اختلاف فئاتهم العمرية والثقافية والاجتماعية، ويتاح لهم بشكل اكثر من غيرهم طرح الأفكار الارشادية لأفراد المجتمع من جهة، ويتقبلهم افراد المجتمع ويتقبلون نصحهم وارشادهم بشكل تقليدي لما تعورف بين الأهالي علي تلك الأدوار لتلك الشخصيات من جهة اخري، ناخذ علي سبيل المثال:

- خطباء المساجد ورجال الدين في الكنائس، حيث لهم الاحتكاك بأكبر قدر وعدد من شرائح المجتمع وأيضا يجدون من اغلب افراد تلك الشرائح آذانا صاغية وتقدير واحترام كبيرين، ولا يخفي علينا ان ذلك الدور سلاح ذو حدين، وكثيرا ما استخدمه أعداء الوطن في أغراض ضد مصلحة اوطاننا أو لإفساد أبنائنا او عقيدتنا ومبادئنا، ولكن هذا لو احسن استغلال ذلك المجال بشكل جيد.

ولكي لا نسقط في دوامة البيروقراطية والتعقيدات المكانية والزمانية أري ان يتم طرح النقاش وتجميع المخلصين في هذا المجال والمستعدين للعطاء والتنسيق بينهم من خلال مواقع التواصل علي الانترنت وطرح الخطط ومناقشتها وتنسيق المواضيع الواجب طرحها مجتمعيا حسب ترتيب الأولويات، كذلك من خلال مواقع التواصل، ويمكن ان يتم هذا الامر كنشاط ضمن أنشطة الجمعية الاليكترونية أي التي تقام أنشطتها وفاعلياتها من خلال الوسائل الاليكترونية وعلي رأسها بالطبع عالم الانترنت وما يحويه من مواقع تواصل وأدوات متعددة، وقد اشرنا الي فكرة الجمعية الاليكترونية من قبل في حدوتة سابقة بعنوان "يلا نعمل جمعية".

ما ذكرناه آنفاً ينسحب أيضا ويمكن تطبيقه علي فئات أو شخصيات مجتمعية اخري مثل الاخصائيين الاجتماعيين والنفسيين بالمدارس وكذلك اخصائيو المكتبات ومعلمي التربية الدينية وحتي يمكن اشراك معلمين اخرين مثل المجالات الفنية والتربية الرياضية، اقصد من ذلك انهم جميعا – وبالطبع بدرجات متفاوتة وبتاثير وأساليب ورؤي متفاوتة ايضاً – لهم مجال للاحتكاك بالتلاميذ والطلاب وتقديم النصح والمشورة اليهم، وايضاً يتمتعون بتاثير نوعي كبير علي التلاميذ ربما يفوق في بعض الأحيان دور وتاثير الوالدين، من جهة اخري تعتبر تلك الشخصيات موثوق فيها ومعتمدة من قبل أولياء الأمور الي حد كبير جداً وذلك لأن تلك الأمور الارشادية هي المجال التقليدي والطبيعي لعمل تلك الشخصيات وبالتالي لن تجد في الغالب أي اعتراض او مقاومة من أولياء الأمور وربما وجدوا منهم تعاوناً، وعليه فان دور تلك الشخصيات هو دور مكمل ومعين لدور الاسرة في تربية النشئ وحل مشاكله النفسية والتربوية.

اما الفكرة الثانية للإصلاح المجتمعي تاتي في اطار محو امية طبقات المجتمع الفقيرة والتي هي بدورها المنبع الأول المغذي للطبقة المتوسطة عماد المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، حيث نطرح بعض الأفكار الغير تقليدية والتي ربما تساهم في رأب الصدع في هذا المجال.

- هناك الكثير من الطاقات والكوادر المعطلة في المجتمع والتي يمكن ان تسهم بشكل فعال في محو امية افراده وفي كثير من الأمور الأخرى المفيدة، امثلة وليس حصراً طلاب الجامعات وخريجيها وطلاب التعليم الفني والمتوسط وخريجيه وبخاصة الفتيات في كليهما؛ حيث ان لديهم القدر الكافي من التعليم لإستغلال طاقاتهم في محو امية المجتمع، وذلك من خلال تنظيم جهودهم والتنسيق بينهم وبين متلقي التعليم من خلال آليات معينة تتيح الحصول علي افضل النتائج في اطار محو امية أبناء المجتمع او حتي تحسين مدي جودة القراءة والكتابة بينهم علي اقل تقدير.

ويمكن ان يساهم في تنظيم هذا العمل والاشراف عليه المحالين للتقاعد من المعلمين او حتي من لديه الوقت او الجهد لذلك من الموجودين بالخدمة، صحيح انهم ليسوا بقدراتهم السابقة في التدريس ليقوموا بالامر لكن مؤكد لدي الكثير منهم القدرة والخبرة علي التنظيم والتوجيه علي الأقل.

- يمكن تفعيل مبادرات ومشاريع للدولة قد تكون غير منظمة او غير مفعلة بشكل يؤتي النتائج المرجو منها مثل مشروع محو الامية، مشروع القرائية بالمدارس والخاص بتحسين مستوي القراءة لدي الطلاب، ويمكن فيها الاستعانة بالجميع وكأنه مشروع محلي شامل للقضاء علي الامية في المجتمع المحيط، ويكون علي هيئة مبادرات محلية غير مرتبطة بالانشطة والتوجيهات الحكومية البيروقراطية بحيث تؤتي الثمار المرجوة دون تلك التعقيدات، ويشارك كما ذكرنا فيها الجميع حتي صغار الطلاب من النابهين والذين لديهم الاستعداد، وسنجد منهم الكثير.

تعليقات

المشاركات الشائعة